كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي رواية عنه بهذا الإسناد قال: الزينة زينتان، فزينة لا يراها إلا الزوج الخاتمت والسوار، وزينة يراها الأجانب، وهي الظاهر من الثياب، قال الزهري: لا يبدو لهؤلاء الذين سمى الله من لا تحل له إلا الأسوة والأخمرة والأقرطة من غير حسر، وأما عامة الناس، فلا يبدو منها إلا الخواتم. وقال مالك، عن الزهري {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الخاتم والخلخال. ويحتمل أن ابن عباس، ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها: بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه: حدثنا يقعوب بن كعب الأنطاكي، ومؤمل بن الفضل الحراني: قالا: حدثنا الوليد عن سعيد بن بشير، عن قنادة، عن خالد بن دُرَيك، عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه. ولكن قال أبو داود، وأبو حاتم الرازي: هو مرسل، خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها والله أعلم. اهـ. كلام ابن كثير.
وقال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] واختلف الناس في قدر ذلك، فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة، هو الثياب. وزاد ابن جبير: الوجه. وقال سعيد بن جبير أيضًا، وعطاء، والأوزاعي: الوجه والكفان، والثياب. وقال ابن عباس، وقتادة، والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل، والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ ونحو هذا، فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس. وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ذكر آخر عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هنا وقبض على نصف الذراع».
قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة. حركة فيما لابد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه.
قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما يدل ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، ثم ذكر القرطبي حديث عائشة المذكور الذي قدمناه قريبًا، ثم قال: وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة، وخيف من وجهها وكفيها الفتنة، فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزًا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها.
اه محل الغرض من كلام القرطبي.
وقال الزمخشري: الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهرًا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب، فلا بأس به، وما خفى منها كالسوار والخلخال، والدملج، والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين، وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون، والتستر، لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء، وهي الذراع، والساق، والعضد، والعنق، والرأس، والصدر، والأذن. فنهى عن إبداء الزينة نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع، بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله، كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنًا في الحظر، ثابت القدم في الحرمة، شاهد على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها إلى آخر كلامه.
وقال صاحب الدر المنثور: وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] قال: الزينة السوار، والدملج، والخلخال، والقرط، والقلادة {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: الثياب الجلباب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الزينة زينتان، زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأما الزينة الظاهرة: فالثياب، وأما الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم. ولفظ ابن جرير، فالظاهرة منها الثياب، وما خفى، فالخلخالان والقرطان والسواران.
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] قال: الكحل والخاتم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكحل والخاتم والقرط، والقلادة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: هو خضاب الكف، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: وجهها، وكفاها، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال رقعة الوجه، وباطن الكف.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والفتخ، وضمت طرف كمها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله: {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الوجه وثغرة النحر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال الكفان والوجه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج يدها إلا إلى ها هنا وقبض نصف الذراع» وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، عن المسور بن مخرمة في قوله: {إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال القلبين يعني السوار، والخاتم والكحل.
وأخرج سعيد وابن جرير عن ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: الخاتم والمسكة، قال ابن جريج، وقالت عائشة رضي الله عنها: القلب. والفتخة. قالت عائشة: دخلت على ابنة أخي لأمي، عبد الله بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض فقالت عائشة رضي الله عنها: إنها ابنة أخي وجارية فقال: إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا، وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى. اه محل الغرض من كلام صاحب الدر المنثور.
وقد رأيت في هذه النقول المذكورة عن السلف أقوال أهل العلم في الزينة الظاهرة والزينة الباطنة، وأن جميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال كما ذكرنا.
الأول: أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجًا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها كقول ابن مسعود، ومن وافقه: إنها ظاهر الثياب، لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها وهي ظاهرة بحكم الاضطرار كما ترى.
وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها، وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة.
القول الثاني: أن المراد بالزينة. ما تتزين به، وليس من أصل خلقتها أيضًا، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، وذلك كالخضاب والكحل، ونحو ذلك، لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع الملابس له من البدن كما لا يخفى.
القول الثالث: أن المراد بالزينة الظاهرة بعض البدن المرأة هو من أصل خلقتها، كقول من قال: إن المراد بما ظهر منها الوجه، والكفان. وما تقدم ذكره عن بعض أهل العلم.
وإذا عرفت هذا فاعلم أننا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولًا، وتكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول، وقدمنا أيضًا في ترجمته أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون الغالب في القرآن إرادة معنى معين في اللفظ، مع تكرر ذلك اللفظ في القرآن، فكون ذلك المعنى هو المراد من اللفظ في الغالب، يدل على أنه هو المراد في محل النزاع، لدلالة غلبة إرادته في القرآن بذلك اللفظ، وذكرنا له بعض الأمثلة في الترجمة.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذين النوعين من أنواع البيان الذين ذكرناهما في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومثلنا لهما بأمثلة متعددة كلاهما موجود في هذه الآية، التي نحن بصددها.
أما الأول منهما، فبيانه أن قول من قال في معنى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن المراد بالزينة: الوجه والكفان مثلًا، توجد في الآية قرينة تدل على صحة هذا القول، وهي أن الزينة في لغوب العرب، هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها: كالحلي، والحلل. فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وبه تعلم أن قول من قال: الزينة الظاهرة: الوجه، والكفان خلاف ظاهر معنى لفظ الآية، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول، فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه.
وأما نوع البيان الثاني المذكور فإيضاحه: أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم مرادًا به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها كقوله تعالى: {يا بني آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً} [الكهف: 7] وقوله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} [القصص: 60] وقوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} [الصافات: 6] وقوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] الآية. وقوله تعالى: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص: 79] الآية. وقوله تعالى: {المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} [الكهف: 46] الآية. وقوله تعالى: {أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} [الحديد: 30] الآية. وقوله تعالى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} [طه: 59] وقوله تعالى عن قوم موسى: {ولكنا حُمِّلْنَآ أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ} [طه: 87] وقوله تعالى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد به ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن، يدل على أن لفظ الزينة في محل النزاع يراد به هذا المعنى، الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم، وهو المعروف في كلام العرب كقول الشاعر:
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى ** وإذا عطلن فهن خير عواطل

وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نظر.
وإذا علمت أن المراد بالزينة في القرآن ما يتزين به مما هو خارج عن أصل الخلقة وأن من فسروها من العلماء بهذا اختلفوا على قولين، فقال بعضهم: هي زينة لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة كظاهر الثياب.
وقال بعضهم: هي زينة يستلزم النظر إليها رؤية موضعها من بدن المرأة، كالكحل، والخضاب، ونحو ذلك.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين المذكورين عندي قول ابن مسعود رضي الله عنه: أن الزينة الظاهرة: هي ما لا يستلزم النظر رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية، وإنما قلنا إن هذا القول هو الأظهر، لأنه هو أحوط الأقوال، وأبعدها عن أسباب الفتنة، وأطهرها لقلوب الرجال والنساء، ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها ورؤية عن أعظم أسباب الافتتان بها، كما هو معلوم والجاري على قواعد الشرع الكريم، هو تمام المحافظة والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي.
واعلم أن مسألة الحجاب وإيضاح كون الرجل لا يجوز له النظر إلى شيء من بدن الأجنبية، سواء كان الوجه والكفين أو غيرهما قد وعدنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك وغيرها من المواضع، بأننا سنوضح ذلك في سورة الأحزاب في الكلام على آية الحجاب، وسنفي إن شاء الله تعالى بالوعد في ذلك بما يظهر به للمنصف ما ذكرنا.